أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


كيف فشل الاميركيون في تحقيق اهداف تواجدهم العسكري في سوريا؟

العميد شارل أبي نادر-

في الظاهر، من غير المنطقي ان يكون لعملية سحب حوالي ألفَين جندي وضابط ومستشار اميركي من سوريا هذه التداعيات الكبيرة المحتملة، ولكن في الحقيقة، فإن تأثيرات هذا الانسحاب وتداعياته على المنطقة سوف تتجاوز مستواه العسكري والميداني ( البسيط نسبيا )، لأنها ستطال الميدان الاكثر حساسية في سوريا، والذي هو شرقها الغني بثرواته وبمياهه، والمرتبط جغرافيا مع تركيا ومع العراق، والذي هو في نفس الوقت، الميدان الحاضن للمكون الكردي السوري الذي طالما حلم بالانفصال او بإدارة ذاتية قريبة من الاستقلال.

 

على الطرف الذي يعتبر نفسه متضررا او متأثرا من الانسحاب الاميركي، نلاحظ ان مسؤولي العدو الاسرائيلي لم يهدأوا منذ الاعلان الاميركي عن الانسحاب، والاتراك كأن على رؤوسهم الطير، فبعد ان سارعوا الى نقل جحافل آلياتهم ووحداتهم العسكرية الى حدودهم مع سوريا، ها هم اليوم مترددون بين ابقائها او في سحب معظمها شمالا نحو العمق التركي، وكل يوم يضعون خطة ميدانية ليعودوا ويبدلونها في اليوم التالي، والاكراد السوريون حائرون بين الذهاب في التفاوض مع الدولة السورية مباشرة او برعاية روسية، و ما يمكن ان ينتج عن ذلك من احتمال اكيد لخسارتهم حلم الانفصال، او بين تصديق الوعود الاميركية هذه المرة، والتي لم تصدق معهم سابقًا ولا في اية مرة.

 

على خلفية ردات فعل هذه الاطراف، والمتأثرة بالانسحاب الاميركي المرتقب من سوريا، نرى ان الديبلوماسية الاميركية بكامل طاقمها مستنفرة، وتحاول يوميا التلاعب على الكلام من خلال تبادل الادوار وتصريحات مسؤوليها المتضاربة، بين الاعلان عن انسحاب كامل سريع كما ظهر بداية في قرار الرئيس ترامب، او بين تصريحات مستشار الامن القومي جون بولتون المتناقضة مع قرار الرئيس، وبين تراجع الاخير عن انسحاب فوري كامل الى انسحاب جزئي وبطيء ومناسب للحلفاء، وبين ديبلوماسية وزير الخارجية مايك بومبيو ( مدير وكالة المخابرات المركزية سابقا ) الناعمة والغامضة، وكل ذلك يوحي بعدم وضوح في صورة القرار او في الموقف الاميركي من كيفية تطبيق القرار.

 

طبعا، لا يمكن تصديق الاميركيين لناحية حقيقة اهداف تواجدهم العسكري في سوريا، ولكن استطرادا، لو صدقوا في هذه الاهداف، فانها (حسب مسؤوليهم)، كانت تقضي اساسا بمحاربة الارهاب والمساهمة بتأمين الاستقرار في الشرق الاوسط، وهذه الاهداف ذكرها وذكَّرَنا بها وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في آخر حديث له لقناة العربية الفضائية، فهل تحققت هذه الاهداف اليوم لكي يسحبوا وحداتهم العسكرية من سوريا؟ ام انهم رأوا انها ربما تتحقق بنسبة اكبر من خلال انسحابهم هذا؟ ام انهم يأسوا واستسلموا وقرروا الخروج من المستنقع السوري، بعد أن وجدوا انفسهم يتخبطون به دون نتيجة ؟

 

من هنا، وانطلاقا من هذا التردد الاميركي المصطنع، والمؤثر على الاستراتيجية التركية المتأرجحة، وعلى الموقف الكردي الضائع، وانطلاقا ايضا من هذا التخوف الاسرائيلي، يظهر فشل الاميركيين في تحقيق اهدافهم التي وضعوها، والتي ذكرها وزير خارجيتهم، وذلك كالتالي:

 

هذا الفشل ظهر واضحا من خلال عدم قدرتهم حتى الان، (عن عجز ام عن تواطؤ ) في هزيمة “داعش” في سوريا، حيث ما زال التنظيم الارهابي يسيطر على بقعة استراتيجية جنوب شرق دير الزور، على مقربة من الحدود العراقية، وعلى مقربة من اهم مصافي النفط والغاز في الشرق السوري.

هذا لناحية “داعش”، اما في المقلب السوري الاخر لناحية ادلب، فالنصرة او تحريرالشام، والتي يعتبرونها تنظيما ارهابيا، هي تتمدد اليوم بشكل غريب، واصبحت على الطريق لانهاء سيطرتها الكاملة على اغلب المجموعات ( المعتدلة ) وعلى كامل الميدان في ادلب الكبرى ومحيطها، مستغلة، اما التواطؤ التركي وهذا المرجح، واما الانشغال التركي بمواجهة تداعيات الانسحاب الاميركي من شرق سوريا.

ايضا لناحية المساهمة في تأمين الاستقرار في الشرق الاوسط من خلال تواجدهم العسكري في سوريا، فما ينتظر الشرق الاوسط وفي محوره الاساسي في الشرق السوري او في محيطه بعد انسحابهم، لا يبدو انه الاستقرار الذي وعدوا به ، فهم الان ومن خلال عرقلتهم الواضحة للتفاوض بين الدولة السورية وبين الاكراد، وما يمكن ان ينتج عن ذلك من مواجهات عسكرية على خلفية تصميم الدولة السورية على استعادة كامل جغرافيتها، يساهمون في التسهيل لمجزرة تركية بحق الاكراد السوريين، حيث تظهر بوضوح شراسة الاتراك وتصميمهم على انهاء منظمومة الادارة الذاتية الكردية بالقوة مهما كلف الامر.

في المقلب الآخر لسوريا لناحية الغرب، والمرتبط استراتيجيا وميدانيا مع الشرق السوري، اي في لبنان وتحديدا في جنوبه، لا يبدو ان الحراك الاسرائيلي على الحدود الجنوبية بريئاً، وتسارع وتكاثر الخروقات والتحرشات والاستفزازات الصهيونية للسيادة اللبنانية او للمناطق المتحفظ عليها، لا يوحي باقل من نوايا عدوانية جدية، وكأن اسرائيل تبحث عن الذريعة لشن حرب على لبنان، وعلى خلفية الخوف من قدرات حزب الله التي تعتبر انها ستكون فاعلة اكثر بعد انسحاب الاميركيين من سوريا، تعتقد انها تستطيع أن تصفّي في هذه الحرب حسابا قديما ( منذ تموز 2006 ) مع لبنان ومع المقاومة.

-موقع المرده-